تتوجه مؤسسة عامل الدولية بالتحية والتقدير للشعب اللبناني على صموده وصبره طيلة الأشهر الماضية أمام أهوال الحرب الطاحنة التي حصدت آلاف الشهداء والجرحى ودمّرت أجزاء كبيرة من لبنان. هذه المأساة التي جاءت في ظل جراح مفتوحة وحزن عميق على ما حلّ بالشعب الفلسطيني في غزة، حيث ما زالت الإبادة المتلفزة مستمرة حتى اليوم.
إننا نشعر بالفرح والأمل لرؤية اللبنانيين يعودون إلى مناطقهم، حتى المدمرة منها، في رمزية تعكس حب الحياة والتمسك بالأمل فوق الركام. لقد كان لفريق مؤسسة عامل شرف الوقوف إلى جانب الناس وبينهم، وذلك بالتعاون مع المنظمات الإنسانية ووزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية ولجنة إدارة الطوارئ والهيئات الدولية، ضمن التجمعات ومراكز الإيواء، عبر العيادات النقالة والمراكز التي لم تغلق أبوابها طيلة الحرب، ومن بينها مركزنا في صور، الذي واصل تقديم الدعم حتى اللحظات الأخيرة. قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار.
بقيادة 2300 من العاملين والمتطوعين، ومن خلال 40 مركزاً والعيادات النقالة ال24، ستواصل عامل مهمتها في تقديم الرعاية الصحية الأولية، الحماية، التعليم، والإغاثة، وكل ما ينضوي من مشاريع متنوعة تحت مظلة تلك القطاعات، عبر 15 برنامجاً. كما ستضع تعزيز اللحمة الاجتماعية ومواجهة خطاب التفرقة والتحريض على رأس أولوياتها، خصوصاً أن هذه الحرب كشفت عن الحس التضامني العالي بين اللبنانيين رغم محاولات بعض الأطراف زرع الكراهية وزعزعة السلم الاجتماعي، إن الحس الوطني كان أقوى من مشاريع التفرقة، وهذا أمر يجب أن نبني عليه كثيراً.
وكذلك تصبر أهلنا النازحين على الرغم من تضحياتهم الجسمية من جانب، واستقبالهم برحابة صدر من الجانب الآخر، وهذا مؤشر على وجود بذور للتضامن الاجتماعي، اذ اثبتت هذه التجربة أن معاناة أهلنا في كل المناطق هي واحدة. وإن طيبتهم بمعزل عن انتمائهم هي نفسها، وهذا الشيء يجب ان يبنى عليه. من أجل ذلك أطلقت عامل برنامجا جديدًا، استلهمناه من هذا التضلمن الاجتماعي، يحمل اسم “معاً من أجل بناء المواطنة وصون الكرامة الإنسانية”.
إن لبنان أمام فرصة حقيقية لتجديد العقد الاجتماعي على أساس المواطنة، العدالة، والمساواة، وإن تجربة النزوح قد أكدت مجدداً على أصالة الشعب اللبناني. عامل، الحركة الاجتماعية النهضوية التي بنت رؤيتها ورسالتها منذ 50 عامًا، ستواصل دورها الريادي في بناء الإنسان المواطن، كجزء من مشروع التغيير البنّاء، وهي تدعو كل المؤمنين بهذه القيم الانضمام إلى حركتنا واتخاذ المبادرات لتضميد الجراح.
تؤمن “عامل” بأن التعافي من آثار الحرب لا يقتصر على إعادة البناء المادي فقط، بل يشمل أيضًا النهوض بالإنسان وبالنسيج الاجتماعي وتعزيز الشعور بالانتماء والتضامن الوطني. لذا، ستعمل المؤسسة خلال المرحلة المقبلة على تنفيذ مبادرات تهدف إلى تمكين الشباب والنساء، وإعادة دمج المتضررين من الحرب في مجتمعاتهم، ودعم مشاريع تعزز العيش المشترك بين مختلف الفئات اللبنانية. كما ستطلق حملات توعوية لتشجيع الحوار والمصالحة، إيمانًا بأن بناء السلام يبدأ من تعزيز الثقة بين أبناء الوطن الواحد.
وستبقى مراكز عامل، وفرقها، وعياداتها النقالة الـ24، مسخّرة لخدمة الناس، وفق متطلبات كل مرحلة. المؤسسة تقوم حاليًا بإعادة توزيع فرقها وترميم مراكزها المتضررة ال14، بالتعاون مع شركائها لتوفير الموارد اللازمة. كما ستستمر البرامج في المراكز والمواقع المستحدثة خلال الحرب، مثل شمال لبنان ومنطقة جبيل، إلى أن تعود جميع مراكز المؤسسة الـ40 للعمل بكامل طاقتها، أفضل مما كانت عليه طيلة العقود الماضية.
إلى جانب ذلك، تعمل عامل على تعزيز الشراكات مع كافة القطاعات لدعم الناس في إعادة بناء حياتهم على كل المستويات، مع مواصلة حث المنظمات الدولية على تقديم الدعم اللازم للبنان، خصوصاً في ظل شح المساعدات وضعف قدرات الدولة اللبنانية.
تؤكد “عامل” أن رسالتها ثابتة مهما كانت الظروف، وإيمانها بقدرة الإنسان اللبناني على النهوض كطائر الفينيق راسخ لا يتزعزع. وهي على ثقة بأن الجيل الجديد، الحامل لقيم العدالة والمساواة، قادر على ترميم الجراح وبناء لبنان القوي بشعبه، واقتصاده، وإبداعه، وقدرته على التعايش واحتضان التنوع.
كما نتوجه بالشكر لفريقنا وكل العاملين في القطاع الإنساني الذي لم يتوانَ عن القيام بواجبه حتى في أشد الظروف خطورة، لأن كرامة الإنسان هي سقفنا الأعلى.
إن مؤسسة عامل تطالب المنظمات الدولية بملاحقة الجرائم الإسرائيلية في لبنان أمام المحاكم الدولية، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية، البيئة، والمرافق الحيوية والأثرية، والارتكابات ضد الفرق الاسعافية والمراكز الصحية والدفاع المدني. كما ستقوم المؤسسة برفع ملف شامل يوثق الأضرار التي لحقت بمراكزها، إيمانًا بضرورة إنفاذ العدالة ومحاسبة المعتدين. كما أن المؤسسة تدعو الدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى المغتربين، الوقوف إلى جانب لبنان في ورشة إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، ودعم مؤسسات القطاع العام، لكي تتمكن من توفير الحياة اللائقة للمواطنين.
كما نطالب بوقف لاطلاق النار في قطاع غزة، وإيقاف عملية الإبادة اليومية، وتأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، كما نأمل أن تتعافى سوريا الشقيقة بسرعة وأن تمارس دورها المحوري في المنطقة.